يحرص العديد من السياح، على التقاط صور تذكارية أمام سلسلة بنايات ذات أشكال هندسية مميزة، متراصة على طول ساحة “المسيرة الخضراء”، غير بعيد عن ميناء طنجة.
ولا يفوت الكثير من هؤلاء السياح، فترة المساء فوق سطح إحدى البنايات للإستمتاع بوداعة البحر وأمواجه الهادئة، وبحمرة الشفَق حين يعلن غروب الشمس الدافئة، وبدخول المراكب والزوارق حين تأخذ مكانها بالمرسى مشكلة بألوانها المختلفة صورة فنية تعبر عن حب البحر وارتباطهم به.
هذه هي روعة بنايات “الريتشاوسن”، الممتدة على مسافة من البحر والمصطفة بشكل هندسي له طابعه الخاص والمكسوة بألوان ذهبية تجلب الأنظار وترتح الأبصار، وفخامة توحي بفترة عظيمة عاشتها مدينة البوغاز.
“وقد أخذت هذه البنايات اسمها من رجل أعمال ألماني يدعى (Adolf Renschhausen). مهتم بالتطوير العقاري البحري ويستثمر بشكل كبير في البلدان النامية وخاصة في المناطق الشاطئية تعاقد مع الحكومة المغربية من أجل إصلاح وبناء المرسى ما بين سنة 1905 و 1908.”، بحسب رئيس جمعية “البوغاز”، رشيد تفرسيتي.
وبحسب تفرسيتي، فإن “رجل الأعمال هذا، يعتبر هو المسؤول عن بناء جميع المنازل المتواجدة على واجهة البحر playa. الأمر الذي كان يجعل شركات العالم تُقبل على شراء تلك المنازل من أجل افتتاح مكاتبها هناك”.
وبالاضافة إلى ذلك، فقد تم بناء ما يقارب 2500 منزل على واجهة البحر، و64000 منزل داخل احياء طنجة من نفس الشكل المعماري والطابع الهندسي، قصد ان تضم هذه المنازل عُمالا من مختلف الدول ومكاتب الشركات..
وتتأسف فعاليات جمعوية على ما آلت إليه هذه البنايات، من اهتراءات وتشققات تجعلها تفقد ذاكرتها التاريخية الغنية، التي عاشت بها لمدة ليست وجيزة من الزمن، كما تبدو واجهة هذه البنايات في حالة سيئة تتآكل بفعل الغبار والبرودة شتاءا والحرارة صيفا بفعل قلة الاهتمام التي تجعلها شاحبة تبدو كمساكن مهجورة معرضة للإتلاف كما هو الأمر بالنسبة لجل المآثر التاريخية بمدينة طنجة.
الأمر الذي ظل مختلف الفاعلين في هذا المجال الذين يرون أن بنايات “الرتشاوسن” كما هو الحال للعديد من البنايات التاريخية لمدينة طنجة تسير نحو الانكسار والضياع وتتعرض زركشاتها الخاصة للإتلاف والإندثار والمسح التاريخي الثري الذي تحضى بها خصوصية مدينة طنجة.
ويعتقد عدنان معز، رئيس مركز ابن بطوطة للدراسات وابحاث التنمية المحلية، أن ما تتعرض له بنايات “الريتشاوسن” هو إهمال مقصود من طرف إحدى الشركات الخاصة التي هدفها إخلاء المنازل من ساكنيها بغية لأهدافهم ومصالحهم الخاصة.
ويضيف معز، ضمن تصريحات لصحيفة طنجة 24 الإلكترونية، أن المركز قد تلقى بهذا الصدد عدد من الشكايات التي أحالتها جمعيات كثيرة بالمنطقة من أجل ترميم هذه البنايات وإعادة الاعتبار لها، باعتبارها موروثا تاريخيا، وسكنا يأوي أسرا وعائلات قبل كل شيئ، في الوقت الذي أضحت فيه بعض غرفها المخربة وأزقتها المنسية ملاذا لعدد من المتخلى عنهم والمشردين..
وفي انتظار رحمة مهتم أو مسؤول يعيد لهذه البنايات رونقها وجمالها ومكانتها التي تليق بها، تعيش حاضرا كئيبا خاليا من أنغام الحياة، في وقت عاشت فيه في حركة من التنوع بين بلدان عديدة مختلفة كانت تحلم أن تعمل وتقيم بطنجة مدينة البوغاز الساحرة… بينما لم يبقى الآن سوى الغبار ينتظر نفخة مخلصة للمدينة ولمآثرها التاريخية الإنسانية.