في حضن منعرج ساحلي وديع، وعلى مرمى خمس كيلومترات فقط من المنطقة المينائية طنجة المتوسط، يستقبل شاطئ الدالية زواره هذا الصيف بهدوء لافت ونظام غير مألوف. لا مظلات مفروضة، لا كراس مرصوصة بالإكراه، لا وسطاء يصرخون بخدمات إلزامية. البحر هنا، كما لم يكن منذ سنوات، عاد ملكا للجميع.
يمتد الشاطئ على رقعة رملية فسيحة، تعانقها تلال خضراء، وتتوزع على أطرافها بيوت متفرقة لسكان مركز الدالية، التابع ترابيا لجماعة قصر المجاز. في الأفق، يبرز الكاسر الصخري كدرع يحرس الموج، وتلوح خلفه مئذنة المنطقة وهوائيات الاتصال، كأنها إشارات خفية على أن المكان لا يزال وفيا لطباعه القروية المحافظة.
في جولة ميدانية لفريق طنجة 24، بدت الرمال خالية من فوضى الأمس. لا طاولات عشوائية، لا احتلال للرمال، ولا منغصات تفسد متعة الاصطياف. مظلات القش القليلة موزعة بعفوية، والمرور إلى البحر سالك بلا عوائق. هذا الانضباط لم يكن وليد الصدفة.
ووفقا لمصادر مسؤولة، فإن السلطات بقيادة قصر المجاز، وبدعم مباشر من مصالح عمالة الفحص أنجرة، نفذت خلال الأسابيع الماضية حملة مركزة لتحرير الملك البحري العمومي، ومنع كل نشاط تجاري غير مرخص فوق الرمال. وقد استهدفت هذه التحركات خصوصا المتورطين في فرض إتاوات على المصطافين، وتحويل الشاطئ إلى مساحة شبه مغلقة لحسابهم الخاص.
سيدة من مدينة طنجة عبرت عن ارتياحها قائلة: العام اللي فات كنت كنجلس مكرهة… كيجي شي واحد يفرض عليك مظلة وكراسي بثمانين درهم. دابا رجع البحر بحالو، بلا صداع ولا استغلال.
اليوم، صار الشاطئ مجهزا بمرافق أساسية تدار بشكل موسمي: مقاه بسيطة، مراحيض عمومية، نقط للإنقاذ، حاويات نفايات موزعة على الممرات. وحتى الأنشطة الترفيهية، ظهرت بشكل منظم لا يزعج الطابع العائلي السائد.
ورغم غياب أي بهرجة سياحية، إلا أن الانطباع العام يميل نحو الإيجاب. العائلات تبحث عن شاطئ نظيف وآمن، دون منغصات أو ابتزاز. وهذا ما يبدو أن الدالية توفره هذا الصيف، ما يفسر تزايد الإقبال عليه من سكان طنجة، تطوان، ومناطق أخرى.
وإلى حين نهاية الموسم وتقييم التجربة، يتفق كثير من الزوار على أن شاطئ الدالية لم يسترد فقط من الفوضى، بل أصبح نموذجا لما يمكن أن يكون عليه الفضاء العام حين تفرض السلطات الإدارية احترام القانون دون ضجيج.