على مرأى من زوار ساحة 9 أبريل، أحد أبرز فضاءات المدينة القديمة بطنجة، يتجمّد شاب مغربي في مكانه متقمصا هيئة تمثال بشري بلون ذهبي، بينما يتحلق حوله عشرات المارة لالتقاط الصور أو ترك بعض الدراهم في قبعته الموضوعة أرضاً.
وبات المشهد مألوفا في “عروس الشمال”، حيث انتشرت في السنوات الأخيرة عروض فنية غير رسمية تُقدم في الشارع العام، تجمع بين التمثيل الصامت، الموسيقى الحية، الرقص، والبهلوانيات، وتلقى تفاعلا متزايدا من السكان والسياح على حد سواء.
ورغم هذا الحضور اليومي في ساحات مثل فارو، سونطرال، أو على امتداد الكورنيش، يواجه فنانو الشارع في طنجة فراغا قانونيا يجعلهم عرضة للمنع أو الإخلاء في أية لحظة.
لا ترخيص رسمي يحدد وضعهم، ولا اعتراف بهم كمهنة، مما يدفع بعدد منهم إلى ممارسة نشاطهم بشكل متقطع، تفاديا للاصطدام مع السلطات.
ويُزاول معظم هؤلاء الفنانون عملهم دون خلفية أكاديمية، إذ لا تجمعهم أية صلة بمعاهد الموسيقى أو التمثيل، بل تعلموا أدواتهم الفنية في الشارع، وراكموا مهاراتهم من خلال التجربة المباشرة والاحتكاك اليومي بالجمهور، في مشهد لا يخلو من التحديات.
ويقول الفنان والفاعل الجمعوي عبد الغني الدهدوه إن مدينة طنجة باتت تستقطب عددا متزايدا من فناني الشارع الذين “يمنحون الشارع السياحي نبضاً وحياة”، مؤكدا أن حضورهم يساهم بشكل مباشر في التنشيط السياحي، غير أنهم يظلون “خارج أي إطار قانوني يُنظم عملهم أو يمنحهم صفة مهنية معترف بها”.
ويضيف: “حين يرغب أحدهم في طلب ترخيص، يُفاجأ بأنه يُدرج ضمن خانة الباعة الجائلين، وهو ما يعكس فراغا تشريعيا غير منصف”، معتبرا أن الوقت قد حان لاستصدار قانون خاص بفناني الشارع، على غرار ما هو معمول به في مدن مثل برشلونة، التي تعتمد منذ 1981 إطارا قانونيا يُعطي لهؤلاء وضعا واضحا ويحميهم من المضايقات.
ورغم أن العديد من العروض تستقطب جمهورا واسعا، إلا أن غياب إطار قانوني واضح يجعل الفنانين في موقع هش. في حالات كثيرة، يتدخل أعوان السلطة أو الأمن بناء على شكايات أو قرارات إدارية مفاجئة، دون توفر أي نص قانوني يحدد ما إن كانت هذه الممارسة تدخل في نطاق حرية التعبير أو تستوجب ترخيصاً مسبقاً.
وبعيدا عن التصنيفات الحديثة، ليست فنون الشارع دخيلة على الثقافة المغربية، بل تُعد امتدادا مباشرا لما كان يُعرف بـ”الحلقة”، حيث كان الحكواتيون والمغنون والمهرجون والراقصون الشعبيون يملؤون الساحات والأسواق بالأداء الحي.
ولم يكن الفضاء العام، لقرون، فقط مكانا للعبور، بل مسرحا يوميا مفتوحا، يُمارس فيه الفن والتأثير والارتجال، بلا أوراق رسمية ولا تعقيدات إدارية.
ويُنظر إلى ما يقدمه فنانو الشارع اليوم، في ساحات طنجة، باعتباره تجليا عصريا لذاك الإرث، وإن بصيغ جديدة تستلهم من أدوات العصر وأساليب التعبير الحالية.
في نهاية أحد العروض، يعود محمد، الشاب المعروف بلقب “الرجل الذهبي”، إلى حركته، ينحني للجمهور، يبتسم، ثم يبدأ في طلاء وجهه مجددا استعدادا لعرض جديد. لا يدلي بتصريحات، ولا يرفع شعارات. فقط يتقمص صمته التمثالي مجددا، ويقف منتصبا على الرصيف، في انتظار ابتسامة عابرة، صورة أخرى، أو ربما قانون لم يأت بعد.