محمد بنعلال*
ما تعيشه مدينة أصيلة اليوم لا يمكن وصفه إلا بأنه لحظة سقوط الأقنعة. فبعد وفاة محمد بن عيسى، لم تدخل المدينة في حداد بقدر ما دخلت في فوضى مصالح وتصفية حسابات، وكأن غيابه فجّر كل ما كان مكبوتًا لعقود طويلة.
لم يعد هناك من يتحكم في المظهر العام للمشهد، فتعرّت خيوط اللعبة، وبدأت تتساقط معها أوهام كانت تُسوّق على أنها إرث أو وصايا.
سمعنا كلامًا كثيرًا عن وصية تركها الراحل، لكن الواقع أن لا وصية ظهرت، بل ظهرت نوايا دفينة لدى من كانوا يدورون في فلك الرجل.
كيف نفهم إقصاء ابنته من حقها الطبيعي في الترشح على رأس مؤسسة منتدى أصيلة؟ بأي منطق يتم قطع الطريق عليها؟ وهل من الصدفة أن يُفتح الباب أمام أسماء كانت على خصومة معلنة مع الراحل؟
شخصيًا، أجد نفسي مضطرًا لطرح أسئلة يبدو أن لا أحد يريد الإجابة عنها: ألم يكن بن عيسى رافضًا بشكل صريح لأي تقارب مع بن سعدون أو الجعيدي؟ أليس هؤلاء من كانوا ينازعونه سلطة القرار في المدينة؟ فما الذي تغير؟ أم أن الموت يُستغل اليوم كورقة لتصفية ما تبقى من إرث الرجل؟
ثم هناك هذا الهوس الغريب بتشويه سمعة عبد الله الگعبوري والدفع به نحو السجن. هل تحوّلت المؤسسة التي تدعي الانفتاح الثقافي إلى منصة لتوجيه الضربات السياسية تحت الطاولة؟ هل هذه هي أصيلة التي نُسج حولها خطاب التعايش والحداثة؟ أم أننا فقط كنا ضحية وهم كبير اسمه محمد بن عيسى ونموذجه في الحكم؟
الانتخابات الجزئية بالدائرة 1 كانت صفعة حقيقية. ما حدث مع الشابة خولة المهدي، من ضغوط وتهديد بقطع مورد رزقها، ليس سلوكًا ديمقراطيًا، بل فعل بلطجة واضح. أن تُمنع من الترشح لأنك لست ضمن “الجوقة”، هو قمة العبث. هذه ليست سياسة، هذا منطق مافيوزي بواجهة مؤسساتية.
لقد سقط القناع. والسياسة في أصيلة لم تكن يومًا مفتوحة للجميع، بل كانت ميدانًا خاصًا تحكمه الولاءات والقرابة والخوف من الخروج عن الصف. واليوم، بعد رحيل بن عيسى، لا يبدو أن هناك رغبة في تصحيح المسار، بل فقط تعويض الرجل برأس آخر يحافظ على نفس النظام، بنفس الأساليب وربما بأكثر شراسة.
أنا مع أصيلة جديدة. أصيلة بدون فساد. أصيلة لا تُدار من مؤسسة واحدة، ولا تخضع لابتزازات صامتة. الفرصة أمام من يدّعون الإصلاح ليثبتوا صدقهم، لا بالخطابات وإنما بالأفعال. فإما أن نبدأ بناء مدينة حقيقية لجميع أبنائها، أو نستعد لعقود جديدة من إعادة تدوير نفس الوجوه، بنفس منطق التحكم، ونفس الحنين إلى الاستبداد المغلّف بالثقافة.
هل سيتحقق هذا الحلم؟ لا أعلم. لكن ما أعلمه أن الصمت لم يعد خيارًا، وأننا مدعوون، أكثر من أي وقت مضى، لنقول كفى.
*مغربي مقيم في الولايات المتحدة