في تناقض صارخ مع ما تم إعلانه عن انطلاق مشاريع كبرى لتوسعة وتأهيل الطرق بمدينة طنجة، تكشف معاينات ميدانية عن واقع مختلف تماما، حيث تقتصر التدخلات الجارية في عدد من المحاور الرئيسية على أشغال سطحية محدودة، لا ترقى إلى مستوى التوسعة الفعلية بالمعايير الحضرية المعروفة، وسط غياب أي إشارات واضحة إلى إعادة هيكلة أو تحسين جذري للبنية الطرقية.
وتكشف معاينة حديثة على مستوى شارع مولاي رشيد، أحد أبرز المحاور الحضرية بالمدينة، أن الأشغال الجارية تقتصر على إزالة الأرصفة القديمة وإعادة تبليطها ببلاط جديد، دون أي توسيع ملموس للمسارات أو تغيير في هندسة الطريق، في حين يُقدَّم هذا التدخل ضمن ما يُصطلح عليه بـ”مشروع التوسعة”، رغم أنه لا يمس العرض الطرقي أو البنية التحتية بشكل جوهري.
المفارقة أن هذه الأشغال، التي تتطلب ميزانيات مهمة، تُنفذ دون أي تواصل مؤسسي واضح مع الساكنة، وغياب شبه تام للوحات الإشهار الإجباري التي من المفترض أن تُبرز اسم الشركة المنفذة، نوعية الأشغال، مدتها، وتكلفتها المالية، كما ينص على ذلك القانون المنظم للصفقات العمومية.
وتُثار على منصات التواصل الاجتماعي، بشكل متزايد، انتقادات حادة لطريقة تدبير هذه الأوراش، خاصة في ظل تواتر المعطيات حول إسناد هذه المهام لشركات تعتمد في الغالب على عمال غير مؤهلين، مقابل أجور زهيدة، دون رقابة فعلية على جودة المواد المستعملة أو مطابقتها لدفتر التحملات. ويتساءل معلقون: من يراقب هذه الشركات؟ ومن يراقب من يُفترض أن يراقبها؟
ولا تنفصل هذه الأسئلة عما تعيشه المدينة من فوضى مرورية خانقة، زاد من حدتها تزامن الأشغال في أكثر من نقطة دون تنسيق أو تخطيط زمني مدروس، ما تسبب في شلل جزئي لحركة السير، خصوصا في محاور حيوية مثل طريق المطار، مدار الزياتن، وطريق المجاهدين.
ويزيد الأمر تعقيدا غياب منافذ بديلة أو مسارات احتياطية، ما جعل المواطنين يدفعون ضريبة هذا الارتباك اليومي، في غياب أي حلول عملية أو استباقية.
وتستحضر الانتقادات الشعبية تجارب سابقة مشابهة، من ضمنها ما حصل مع شركات النظافة التي استقدمت آليات متقادمة، لم تصمد طويلاً أمام متطلبات الخدمة، وكذا شركة النقل الحضري “ألزا” التي وفرت حافلات بهياكل خفيفة الجودة سرعان ما بدأت في الانحراف وفقدان التوازن، ما يطرح علامات استفهام حول جودة ما يُنجز باسم التأهيل الحضري، في غياب الرقابة المستقلة والفعالة.
وتُطرح تساؤلات إضافية حول مدى استدامة هذه الأشغال بعد نهايتها، في ظل غياب برنامج واضح للصيانة الدورية. إذ يكفي التذكير بما آلت إليه العديد من الساحات والحدائق العمومية، التي تحولت في وقت وجيز إلى مساحات مهملة بعد أن تم تدشينها باحتفاء كبير.
وهذا ما يعيد إلى الواجهة مسألة جدوى الإنفاق العمومي، خاصة أن جماعة طنجة ترصد سنوياً ميزانية تفوق 53 مليار سنتيم لصيانة الإنارة، المساحات الخضراء، والنظافة، دون أن يلمس المواطن أثرا متناسبا مع هذه الأرقام الضخمة.
وتبرز من خلال هذا المشهد الحائر ملامح أزمة أعمق ترتبط بمنطق التدبير نفسه، حيث تطغى الحسابات الظرفية والتدخلات التجميلية على التخطيط الهيكلي الرصين، ويغيب التتبع المؤسساتي في مقابل تراكم الصفقات، بينما يظل المواطن الطنجاوي محاصرا بين الأشغال المفتوحة على المجهول، وبين انسداد الأفق في انتظار حلول لا تأتي.
وفي غياب توضيحات رسمية، أو تواصل شفاف مع الرأي العام، يبقى ما يُقدَّم باسم “التوسعة” سؤالا مؤجلا، وعنوانا لواقع عمراني يتكرر بنفس الأدوات، ونفس الإخراج، ونفس النتيجة: مدينة تختنق كل يوم، تحت وطأة مشاريع لم تتجاوز بعد عتبة الشكل